وتنازلت عن دمووع الرجال ... (إعتراافااات شااب) ..

وتنازلتُ .. عن دمووع الرجاال .. ((اعتراافاات شاااب)) ..

قلبت الورقة .. أغمضت عيني .. ووضعت وجهي بين يدي، وأطلقت زفرة حارة ..
كنت بحاجة لأن .. أتنفس ..
ذكرت اللهـ في سري .. ومنحت نفسي بضعة دقائق .. قبل أن أرفع رأسي ببطء ..
ولسووء الحظ .. كان وجههـ أول (شيء) أقابلهـ ..
كان ينظر إلينا وهو يبتسمـ بمكر ..
ابتسامة المنتصر ..
سحبت عدة أنفاس ..
ونظرت مرة أخرى للورقة .. حااولت أن أفكـ طلاااسمـ الأسئلة .. أن أجد ولوو خيطاً بسيطاً يربط بينهاا وبين المنهج .. فلم أجد ..
يا إلهي .. بدأت ألوومـ نفسي .. هل قصرت في شيء؟
لقد درست كتاب المنهج جيداً ..
وأظبت على الحضوور .. فكيف يحدث هذا؟
بدأت كلمتهـ تتردد في ذاكرتي .. (يا وسخ!) .. (يا زبالة) .. (ياجزمة) .. (أنتووا مخكمـ جزمة!) ..
هل أناا (جزمة) فعلاً كماا يقوول؟
هل عقلي وعقل كل الشباب في قسمي .. هو مجرد كوومة من الأحذية؟! .. ربماا .. قد .. يكوون .. صاادق ..
صرخ صووت بداخلي بكل قووة ..
لاااااااااااا ..
لا تضعف .. لا تجعل هذا الـ(...) ينتصر على آخر ما تبقَّى من كرامتكـ ..
أشعر بالألمـ يعتصر قلبي .. الوقت يمر .. أحااول أن أكتب شيئاً .. دووون جدووى ..
استسلمت لمرارة الرسوووب ..

**********

تااااااابع ،،

(هل هذا بحث طااالب جاامعي؟! أم تلميذ ابتدائي؟!) ..

(ولكن .. ياا دكتوور أنت لم تقرأهـ بعد..)
لم يمهلني لأكمل كلااامي .. فمزق بحثي قطعاً صغيرة أماام المريض الذي كاان ينظر بدهشة .. ورماهـ على الأرض ..
شعرت بالإهانة .. وقفت في مكااني ..
شددت قبضة يدي بكل قووة .. كانت الناار تغلي في عرووقي ..
شعرت برغبة شديدة في أن أوجهـ لهـ لكمة .. وأناا قاادر على ذلكـ ..
بقيت صاامتاً أماامهـ لحظاات ..
أستجمع شتاتي ..
لن أضيع تعبي .. سأصبر .. سأضغط على نفسي .. سأتجرع آخر ما أستطييع من قطراات الذل .. حتى أتخرج ..

**********



تااااااااابع ،،

انتظروووني ،،

أجلس في القاعة بعيداً عن الصف الأول .. أشعر بشيء يخنقني في محاضرتهـ .. أحااول أن أستنشق الهواء وأجبر نفسي أنا أتاابع ماا يقوولهـ ..
أنظر في الوجوه .. البعض من الواضح عليهم أنهم يشاركوني نفس الشعور المخنوق .. والبعض أصبح بلا إحساس في سبيل (تسول) رضاه ..
فجأة يصرخ (البهايم اللي ورا!..) ..
مططت شفتي .. الحمدللهـ لم أجلس في الخلف اليووم .. يكفيني ما تلقيتهـ من إهاانة رئيس القسم .. تعوود بي الذاكرة إلى سنواات مضت ..
حين خرجت من الثانوية العامة بنسبة 98% ..
كنت محط أنظار المدرسين .. كاان الكل يتووقع لي مستقبلاً باهراً ..
كاانت لي أحلااام كبيرة ..
تهاوت واحداً بعد الآخر ..
كنت أحلم بدخوول كلية الطب ..
لكن المقابلة .. لم تشفع لي بذلك ..
فحملت ما بقي من أحلااامي ..
وقررت أن أدخل هذا القسم .. كنت أحلم بمسااعدة المرضى .. أعينهم على تجااوز محنهم .. أخطط لكيفية علاجهم وأتاابع معهم ..
بدأت بتفوق .. ثم .. شيئاً فشيئاً ..
بدأت الأحلاام تتحطم على صخرة الواقع ..
عرفت أن الكل يريدكـ هناا .. أن تحفظ فقط ..
الكل يريدك مجرد آلة صماء للحفظ ولنسخ نمااذج الاختبارات السابقة مع حلولها ..
من يفعل ذلك فقط .. هو الذي يتفوق .. (ههـ .. إن ساعده الحظ طبعاً) ..
لا مجال للإبداع .. ولا للتفكير .. ولا النقاش .. ولا البحث الميداني .. ولا حتى .. للتطبييق الواقعي ..
أنت هنا مجرد آلة غبية للحفظ .. آلة لا تتكلم .. بل تنسخ وتكتب فقط ..
ولوو فكرت فقط أن تكوون غير ذلك فستووصم بالإهماال والغبااء والتخلف!!
فقط اصمت وافعل كماا يريدون ..
عرفت أن الأهم هو أن تسجل حضور (رأسكـ) في المحاضرة .. أما ما بداخل هذا الرأس .. فلااا يهم!
عرفت أننا هناا .. قبل أن نرتدي المعطف الأبيض .. يجب .. أن نخلع ثووب كرامتناا .. ونتجرع قليلاً من ترياق الذل حتى نستطيع أن نقف على أقدامنا ..
توقظني من أفكاري صرخته .. ((فين النااس اللي فالحة بس في الشكاوي؟؟ههـ؟) ..
أبتلع غصة أخرى وأناا أراه ينظر بحقد دفين إلي .. حتى الطلاااب التفتووا إلي .. شعروا بأنه يعنيني .. يا اللهـ .. كيف عرف .. لم تمض ساعتان على دخولي مكتب رئيس القسم .. كيف؟! .. كيف عرف؟
يا لي من أحمق .. كيف أثق في رئيس القسم؟! . كيف تخيلت أنه يمكن أن يسااعدني؟! . أتجرع الغصة ..
وأسكت ..

**********

تااااااابع ،،

كان علي أن أقووم بشيء .. شيء قوووي .. لا يمكن أن نسكت هكذا ..
وافقني الزملاااء ..
أحضرت آلة تسجييل .. وسجلت صووته أثنااء المحاضرات وهو يصرخ ويشتم في طلاااب أقل ماا يقاال عنهم أن اللهـ كرمهم بأنهم بشر .. (يا زبالة .. يا جزم .. الحيوااناات اللي هناك) ..
شعرت بالانتصار .. هذا دليل لا يمكن رده .. لو رفعته للمسؤولين سيتم فصل هذا الدكتوور .. لن يستطيعوا أن يكذبووناا مثل كل مرة .. قررت الدخوول على عميد الكلية لأريه ما لدي ..
ذهبت إلى هنااكـ .. وأنتظرت ساعاات طوويلة .. لا أعرف ماهي مهمة العمداء .. إن لم تكن متابعة أحواال الطلااب ..
تذكرت قول الرسول صلى اللهـ عليهـ وسلمـ: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيتهـ) .. أليسووا مسؤولين عناا ..
من يقتص لناا من ظلم الأسااتذة إن لم يكن هؤلاااء؟ .. ألااا يخشوون دعوة مظلووم ليس بينهاا وبين اللهـ حجااب؟ ..
وصلت إليه بصعووبة .. كاان على عجلة .. وينتظرني أن أنهي كلااامي فلديهـ الكثيير من المهااام ..
أريتهـ ورقة وقّع عليهاا أكثر من سبعين طالباً من دفعتنا بالإقراار على ماا يقوولهـ هذا الدكتوور من شتاائم بذيئة وسوقية .. ومن ظلم بالأسئلة التعجيزية ..
ثم عرضت عليه التسجيل الذي سجلته لماا قاله أثنااء مجااضرتهـ من شتم وصل لأبنااء بلدي بأكمله ..
أخذ اسمي ورقم جووالي .. ووعدني بالنظر في هذا الكلااام .. ذكرته بأهمية السرية .. فتمتم على مضض ..

**********

تاابع //

طالت المدة .. ولم يقم العميد بأي خطوة .. ولم يتغير دكتورنا عن حاله .. الإهاانة الذل هو شرابناا اليوومي ..
أصبحناا نفقد كرامتناا يوماً بعد آخر .. غرقناا في قااع الذل .. وبدأناا نفقد آخر معالم الإنسانية ..
لم نجد وسيلة لإنقاذناا من هذا المستنقع الآسن .. سووى .. أن نووصل صووتناا للصحاافة ..
نعم .. سنهز الدنيا .. سيغضب المسؤولوون .. سيعاقب الأستاذ .. سيفصل .. وربماا سيحاكم على ما قاله من شتائم ..
ياسلااام .. أمر رائع!
أرسلناا كل مالدينا لأحد الكتّاب الذين تفاعلوا معنا .. تسجيلات صوته .. توقييع الطلااب ..
وبعد أياام .. ظهر مقاال في الصحيفة عن دكتورناا .. طرنا من الفرح .. قمنا بتصويره وتوزيعه فيماا بيننا .. شعرناا أننا انتصرنا لكرامتنا المهدورة .. وانتظرناا أن يحصل شيء كبيير ..
بعد يووميين .. فوجئت باتصال من عميد الكلية .. يطلب حضووري .. سرت في نفسي قشعريرة .. لم أصدق .. أيعقل أنه تذكرني؟!
وصلت لمكتبه والفرحة لا تسعني ..
وفي مخيلتي أشيااء كثيرة ..
لابد أنه سيخبرني بماا سيفعله مع الأستاذ .. سيعتذر لنا .. قد يفتح أوراق أسئلتناا التي رسبناا فيهاا ..
لكن كل شيء .. تلاشى .. حين دخلت .. ورأيته .. يجلس واضعاً قدماً فوق أخرى ،، أماام العميد .. وهو يبتسم لي بمنتهى الخبث ..
شعرت بقلبي يكااد يقفز من مكاانه ..
دخلت وأناا غير مصدق .. لم أعرف ماذا أقوول ..
لكن العميد الغاضب لم يمهلني وبدأ بإخباري بأن الدكتوور سيرفع عليّ قضية تشهيير .. لأني ذكرت هذا الكلاام عنه .. وأرسلته للصحيفة ..
وأن التسجيلات تم التلاعب بهاا بصوته .. وأني سأتهم بالتزوير والتشهير والقذف ..
لم تسعفني الكلمات لأقوول شيئاً ..
وقفت صامتاً .. تراءت لي أحلاامي العريضة وهي تتلاشى ..
شعرت بالظلم يصب على قلبي كسيل من حمم .. يكبل أطرافي ولسااني كشجرة شياطانية ..
شعرت بأني عااجز أن أصرخ أو أدافع أو أتكلم ..
شعرت بالظلم يكبر ويعظم حتى يصبح عملاقاً عظيماً .. يطرحني .. يعفر وجهي بالتراب ..
يطعنني .. ويرقص ضااحكاً فوق جرااحي ..
فلم أملكـ .. سوى أن أتناازل له عن آخر ما تبقّى لدي ..
دموع الرجاال ..

وانتهت القصة ،،،،،،